Pages

About Me

My photo
nasr city, cairo, Egypt
Aku hamba MU. Anak hamba Mu. Ubun2 ku di tangan-Mu.Telah berlaku hukuman Mu pada ku. Adil keputusan Mu pada ku. al-imam al-qurtubi menulis tafsirnya kerana kata beliau; " كتبت تذكرتا لنفسي" aku menulis sebagai peringatan untuk ku.

Tuesday, October 28, 2014

akar dan dahan

raja adil raja di sembah
raja zalim raja di sanggah

raja adil raja di sembah
maha zalim maha di sanggah

gerakan da'wah perlu mengakar kebawah dan tidak perlu terlalu memaut keatas

ulama' juga perlu mengakar kebawah dan tidak perlu terlalu memaut keatas

حقوق الرعية و الراعي


حقوق الرعية على الراعي


أولاً: إقامة العدل بين الرعية:
قال -تعالى-: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25].

يقول الله -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [النساء: 135].

ويقول أيضًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].

وأمَر الإسلام كذلك بالعدل في القول؛ فقال -تعالى-: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [الأنعام: 152].

كما أمر بالعدل في الحُكم؛ فقال -تعالى-: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].

كما أمر بالعدل في الصلح؛ فقال -تعالى-: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9].

وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في بدايتهم: ((الإمام العادل)).

وفي مسند الإمام أحمد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((أحب الخلق إلى الله إمام عادل، وأبغضهم إليه إمام جائر)).

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: ((إنما الإمام جُنَّة؛ يُقاتَل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعَدَل، فإن له بذلك أجرًا، وإن أمر بغيره، فإن عليه وزرًا))؛ متفق عليه.

وفي الحديث القدسي: ((يا عبادي، إني حرَّمت الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا))؛ صحيح مسلم.

ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه-: ((واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب))؛ متفق عليه.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يُفطِر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنَّك ولو بعد حين))؛ أخرجه الترمذي، وأحمد.

ثانيًا: الحكم بشرع الله - تعالى -:
فالتحاكم لشرع الله فرضٌ قطعي بالكتاب والسنة والإجماع؛ قال -تعالى-: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 49، 50].

وقال -سبحانه-: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾ [الجاثية: 18 - 19].

ويقول الله -تعالى- في كتابه العزيز:
﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].

﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45].

وكذا آية: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 47].

وقال -تعالى-: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].

ثالثًا: النصح للرعية:
فيعمل على جلب ما فيه النفع لهم، ودفع ما فيه الضرر، وليأخذ على أيدي الفاسدين المفسدين، من أصحاب الدعوات الهدامة، والعقائد الباطلة؛ لمنع شرورهم، وحماية الأمة من فسادهم.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من راعٍ يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لها، إلا حرَّم الله عليه رائحة الجنة))؛ أخرجه مسلم.

وعن مَعقِل بن يَسار -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما من أميرٍ يَلِي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة))؛ أخرجه مسلم.

وقد دلَّت سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن الولاية أمانة يجب أداؤها في مواضع، مثل ما تقدم، ومثل قوله لأبي ذر -رضي الله عنه- في الإمارة: ((إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها))؛ أخرجه مسلم.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ولاَّه الله شيئًا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخَلَّتِهم وفقرِهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة))؛ صحيح سنن أبي داود.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهله وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عنه، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ رواه أحمد في المسند.

وعليه؛ فإقامة الدين، وحفظه، والدعوة إليه، ودفع الشبه عنه، وتنفيذ أحكامه وحدوده بالحكم بما أنزل الله بين الناس، والجهاد في سبيل الله - كل ذلك من واجبات إمام المسلمين وراعيهم.

رابعًا: الحلم والرفق بالرعية:
ومن حقوقهم عليه أن يرفق بهم، ولا يشق عليهم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم من وَلِي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم، فاشقُق عليه، ومن وَلِي من أمر أمتي شيئًا فرَفَق بهم، فارفق به))؛ مسلم.

وقد ضرب النبي -عليه الصلاة والسلام- المثلَ الأعلى في الرفق؛ فقال -عليه الصلاة السلام-: ((إن الله يحب الرفق في الأمر كله))؛ البخاري.

وقال -تعالى-: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 128، 129].

وقال -تعالى-: ﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا ﴾ [الإسراء: 28].

وقال -تعالى-: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

وقال -تعالى-: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].

خامسًا: مشاورة أهل الرأي من الرعية:
قال -تعالى-: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

قال -تعالى-: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38].

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ذات يوم: ((لو اجتمعتما في مشورة، ما خالفتكما))؛ رواه أحمد (17533).

وقد أشار سلمان الفارسي -رضي الله عنه- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفر الخندق، وأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بها ونفذها؛ ولأنها قد نفذت في بلاد فارس، وكانت مُجدِية نافعة.

وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "ما رأيت أحدًا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم"؛ البخاري.

سادسًا: تفقد أحوالهم وألا يحتجب عنهم:
عن عمرو بن مرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من إمام أو والٍ يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة، إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته))؛ صحيح؛ أخرجه أحمد.

وقال الله -تعالى- عن سليمان -عليه السلام-: ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴾[النمل: 20].

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "والله لو أن بغلة بالعراق تعثَّرت، لسُئلت عنها يوم القيامة".

سابعًا: أخذ حق الضعيف من القوي:
ومن حقوقهم عليه أن يأخذ الحق من غنيِّهم لفقيرهم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم فادْعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُرَد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائمَ أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب))؛ متفق عليه.

وفي خطبة أبي بكر الصديق، قال: "أما بعد أيها الناس، فإني قد ولِّيت عليكم ولست بخيركم؛ فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني.

الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.

لا يدع قوم الجهادَ في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإذا عصيتُ الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله"؛ (السيرة؛ لابن هشام).

ثامنًا: الدفاع عنهم:
فإن الدفاع عن الرعية وأموالهم وأعراضهم من واجبات الإمام؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته)).

ومن ذلك: حفظ الحدود والثغور، والأخذ بقوة لمن روَّع أمن الناس وأفزعهم؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33].

تاسعًا: أن يختار الأشخاص الأكْفاء للعمل معه:
قال الله -تعالى-: ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26].

فينبغي توفر القوة والأمانة، وهما في الناس قليل؛ كان عمر -رضي الله عنه- يشكو من ذلك، ويقول: "اللهم أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها))؛ رواه مسلم.

في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قومًا دخلوا عليه فسألوه الولاية؛ فقال: ((إنا لا نولِّي أمْرنا هذا مَن طلبه)).

وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعًا: ((من وَلِي من أمر المسلمين شيئًا، فولَّى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله))؛ (البيهقي في الكبرى بإسناد فيه ضعف).

قال شيخ الإسلام - في السياسة الشرعية ص14 -:
استعمال الأصلح:
فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة وتسلم مفاتيح الكعبة من بني شَيبة، طلبها منه العباس؛ ليجمع له بين سقاية الحاج، وسدانة البيت، فأنزل الله هذه الآية، بدفع مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة.

فيجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح مَن يجده لذلك العمل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من ولي من أمر المسلمين شيئًا، فولَّى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله)).

وفي رواية: ((من قلَّد رجلاً عملاً على عصابة، وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه، فقد خان الله، وخان رسوله، وخان المؤمنين))؛ رواه الحاكم في صحيحه.

وروى بعضهم أنه من قول عمر لابن عمر، روي ذلك عنه.

وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "من ولي من أمر المسلمين شيئًا، فولَّى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمسلمين".

وهذا واجب عليه، فيجب عليه البحث عن المستحقين للولايات، من نوَّابه على الأمصار، من الأمراء الذين هم نواب ذي السلطان، والقضاة، ومن أمراء الأجناد، ومقدمي العساكر والصغار والكبار، وولاة الأموال من الوزراء والكتاب، والشادين، والسعاة على الخَراج والصدقات، وغير ذلك من الأموال التي للمسلمين.

وعلى كل واحد من هؤلاء أن يستنيب ويستعمل أصلح من يجده، وينتهي ذلك إلى أئمة الصلاة والمؤذنين، والمقرئين، والمعلمين، وأمير الحاج، والبرد، والعيون الذين هم القصاد، وخزان الأموال، وحراس الحصون، والحدادين الذين هم البوابون على الحصون والمدائن، ونقباء العساكر الكبار والصغار، وعرفاء القبائل والأسواق، ورؤساء القرى الذين هم الدهاقون.

فيجب على كل من ولي شيئًا من أمر المسلمين -من هؤلاء وغيرهم- أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضعٍ أصلحَ من يقدر عليه، ولا يقدِّم الرجل لكونه طلب الولاية، أو يسبق في الطلب.

بل ذلك سبب المنع؛ فإن في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قومًا دخلوا عليه فسألوه الولاية؛ فقال: ((إنا لا نولي أمْرَنا هذا مَن طلبه)).

وقال لعبدالرحمن بن سمرة: ((يا عبدالرحمن، لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أُعطيتها من غير مسألة أُعِنت عليها، وإن أُعطيتها عن مسألة وُكِلت إليها))؛ أخرجاه في الصحيحين.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((من طلب القضاء واستعان عليه، وُكِل إليه، ومن لم يطلب القضاء ولم يستعن عليه، أنزل الله إليه ملكًا يسدِّده))؛ رواه أهل السنن.

فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره؛ لأجل قرابة بينهما، أو ولاء عتاقة أو صداقة، أو موافقة في بلد، أو مذهب، أو طريقة، أو جنس، كالعربية، والفارسية، والتركية، والرومية، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة، أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق، أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، ودخل فيما نهي عنه في قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].اهـ

عاشرًا: أن يكافئ المحسن، ويعاقب المسيء:
وهذا من العدل الذي أوجبه الله -تعالى- قال -سبحانه-: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ [النجم: 31].

وكما قال الله -تعالى- عن الملك العادل ذي القرنين: ﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: 87 - 88].

فلا بد من محاسبة الولاة وأرباب المناصب والعمال؛ فيكافئ المحسن، ويأخذ على يد المقصِّر والمسيء؛ وفي الحديث عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- قال: استعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً من الأَزْد، يقال له: ابن اللُّتْبِية، على الصدقة، فلما قَدِم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي؛ قال: ((فهلاَّ جلس في بيت أبيه، أو بيت أمه؛ فينظر أيُهدَى له أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحدٌ منه شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته؛ إن كان بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة تَيْعَرُ))، ثم رفع بيده حتى رأينا عُفْرَة إبْطيه: ((اللهم هل بلَّغت، اللهم هل بلغت)) ثلاثًا؛ متفق عليه.

وعن عَدِي بن عَمِيرة الكندي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن استعملناه منكم على عمل، فكتمَنا مِخْيطًا فما فوقه، كان غُلولاً يأتي به يوم القيامة))، قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار -كأني أنظر إليه- فقال: يا رسول الله، اقبَل عني عملك، قال: ((وما لك؟))، قال: سمعتك تقول كذا وكذا، قال: ((وأنا أقوله الآن: مَن استعملناه منكم على عمل، فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى))؛ أخرجه أحمد، ومسلم.

حادي عشر: أن يكون قدوة في الخير للرعية:
لأن الناس على دين أمرائهم؛ أي: يسيرون بسيرتهم؛ فعلى الحاكم أن يكون إمامًا في الحق والخير، قال الله -تعالى- حاكيًا دعوة الصالحين: ﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].

وقال الله -تعالى-: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].

والله وحده من وراء القصد، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/43914/#ixzz3HRJ99n00




حقوق الراعي على الرعية


أولاً: بيعته على الطاعة في المعروف:
قال الله - سبحانه -: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]؛ فهذا حق الراعي على الرعية، ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]، ولم يقل: "وأطيعوا أولي الأَمْرِ"؛ لأن طاعة ولي الأمر من طاعة الله ورسوله؛ وها هو الصديق -رضي الله عنه- لما تولَّى الخلافة يبيِّنها، ويقول: "يا أيها الناس، إني قد ولِّيت عليكم، ولست بخيركم، فإن أسأتُ فقوِّموني، وإن أحسنتُ فأعينوني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، الضعيف فيكم القوي عندي حتى أزيح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قومٌ الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالفقر، ولا ظهرت - أو قال: شاعت - الفاحشة في قوم إلا عمَّهم البلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله"؛ مصنف عبدالرَّزَّاق (11 / 336).

وفي الحديث: "بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة، في مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا وعُسْرِنا ويُسْرِنا، وَأَثَرَة علينا"، الحديث؛ متفق عليه.

وروى مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((مَن خَلَع يدًا من طاعة؛ لقي الله ولا حُجَّة له، ومَن مات وليس في عنقه بيعةٌ مات ميتة جاهلية)).

فوجَبت الطاعة لولي الأمر في غير معصية، في المَنشط والمَكره، ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني))؛ متفق عليه.

وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبَّ وكَرِه، إلا أن يؤمَر بمعصية، فإن أُمِرَ بمعصية، فلا سمع ولا طاعة))؛ متفق عليه.

عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((السمع والطاعة حق، ما لم يؤمر بالمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة))؛ أخرجه البخاري.

وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية، فاستعمل رجلاً من الأنصار، وأمرهم أن يُطِيعوه، فغَضِب، فقال: أليس أمركم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تُطِيعوني، قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبًا، فجمعوا، فقال: أَوقِدوا نارًا، فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهمُّوا، وجعل بعضهم يُمسِك بعضًا، ويقولون: فررنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من النار، فما زالوا حتى خَمَدت النار، فسكن غضبه، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف))؛ أخرجه البخاري ومسلم.

وعن عُبَادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: ((أن بايعنا على السمع والطاعة في مَنشَطِنا ومَكْرَهنا، وعُسرِنا ويُسْرِنا، وأَثَرةً علينا، وألا نُنَازِع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان))؛ أخرجه البخاري.

وعن عُبَادة بن الصامت أيضًا، قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في المَنشَط والمَكره، وألاَّ نُنَازِع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم"؛ أخرجه البخاري ومسلم.

وعن عبدالله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((السمع والطاعة على المَرْء المسلم فيما أحبَّ وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة))؛ أخرجه البخاري ومسلم.

وعن العِرْباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا بعد صلاة الغَدَاة موعظة بليغة، ذَرَفت منها العيون، ووَجِلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودِّع، فماذا تَعهَد إلينا يا رسول الله؟ قال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبدٌ حبشيٌّ؛ فإنه مَن يَعِش منكم، فسيرى اختلافًا كثيرًا، وإياكم ومحدثاتِ الأمور؛ فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم، فعليه بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنَّواجذ))؛ أخرجه الترمذي واللفظ له وأبو داود وابن ماجه.

والسمع والطاعة يكونان في عدم مخالفة أمره، والجهاد تحت رايته، والصلاة خلفه، ودفع الزكاة إليه، وفي كل شيء، ما لم يأمر بمعصية الله.

ثانيًا: بذل النصح له:
عن تميم الداري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدين النصيحة))، قلنا لمن؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم))؛ أخرجه البخاري، معلقًا، ومسلم برقم (55).

وفي حديث جَرِير، قال: "بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم"؛ متفق عليه.

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما استُخلِف خليفةٌ إلا له بِطانتان: بِطانة تأمره بالخير، وتحضُّه عليه، وبِطانة تأمره بالشر وتحضُّه عليه، والمعصوم مَن عصم الله))؛ أخرجه البخاري.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث لا يَغِلُّ عليهم قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم))؛ أخرجه أحمد (16738)، وابن ماجه (231).

وعند الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لم يبعث نبيًّا ولا خليفة إلا وله بِطانتان: بِطانة تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وبِطانة لا تألوه خبالاً، ومن يوقَ بِطانة السوء فقد وُقي))؛ قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

قال ابن رجب - رحمه الله -: "النصيحة لأئمة المسلمين؛ معونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم برفق ولطف، والدعاء لهم بالتوفيق، وحث الأغيار على ذلك"؛ [ جامع العلوم والحكم (ص80)].

ونصح الولاة من الأعمال الفاضلة التي يحبها الله ويرتضيها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، وأن تنصحوا مَن ولاَّه الله أمركم))؛ رواه أحمد، ومسلم في الأقضية (1715) بنحوه.

والنصيحة تكون سرًّا بين الناصح الصادق وبين الوالي؛ لتكون أخلص عند الله، وعلى هذا سار السلَفُ الصالح.

قال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله -: "الواجب مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس"، قال: "أما مخالفة ذلك واعتقاد أنه من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد؛ فإنه غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتَّب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نوَّر الله قلبه، وعَرَف طريقة السلف الصالح وأئمة الدين".

وتوقير الولاة مع النصح لهم من الفقه في الدين، يقول سهل بن عبدالله - رحمه الله -: "لا يزال الناس بخير ما عظَّموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفُّوا بهذين فسدت دنياهم وأخراهم".

ونصحهم يكون بتلطُّف في العبارة وحكمة ولين، قال ابن القيم - رحمه الله -: "مخاطبة الرؤساء بالقول اللين أمر مطلوب شرعًا وعقلاً وعرفًا؛ ولذلك تجد الناس كالمفطورين عليه، وهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاطب رؤساء العشائر والقبائل"؛ بدائع الفوائد (3/652).

ثالثًا: توقيره، وإجلاله، واحترامه:
ولهذا أوجب الله - تعالى - في كتابه، وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - احترامه وتوقيره وتبجيله؛ فأخرج أحمد - وصحَّحه الألباني - عن أبي بكرة، قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن أكرم سلطان الله - تبارك وتعالى - في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومَن أهان سلطان الله - تبارك وتعالى - في الدنيا أهانه الله يوم القيامة)).

وأخرج الترمذي عن زياد بن كُسَيب العدوي قال: "كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب، وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفسَّاق؛ فقال أبو بكرة: اسكت؛ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله)).

وأخرج أبو داود - وحسَّنه الألباني - عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسِط)).

رابعًا: التعاون معه على البر والتقوى:
عملاً بقوله - تعالى -: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].

وفي حديثٍ رَوَته عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق، إن نسي ذكَّره، وإن ذكَر أعانه، وإذا أراد له غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكِّره، وإن ذكَر لم يُعِنْه))؛ رواه أبو داود، والنسائي، وسنده صحيح.

وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)).

خامسًا: الدعاء له:
قال القاضي عياض: "لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لجعلتها في الإمام"، وروي عن الإمام أحمد مثل ذلك.

وعن عوف بن مالك، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خيار أئمتكم الذين تحبُّونهم ويحبُّونكم، ويصلُّون عليكم وتصلُّون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تُبغِضونهم ويُبغِضونكم، وتَلعَنونهم ويَلعَنونكم))، قيل: يا رسول الله؛ أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: ((لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئًا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدًا من طاعة))؛ أخرجه مسلم.

سادسًا: الصبر على جوره إن جار أو ظلم:
أخرج مسلم - برقم (1854) - عن أم سلمة - رضي الله عنها -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ستكون أمراء، فتَعرِفون وتُنكِرون، فمن عَرَف بَرِئ، ومن أنكر سَلِم، ولكن من رَضِي وتابع))، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: ((لا ما صلَّوْا)).

وأخرج البخاري (7052) عن زيد بن وهب قال: سمعت عبدالله قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنكم سترون بعدي أثرةً، وأمورًا تنكرونها))، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: ((أدُّوا إليهم حقَّهم، وسَلُوا الله حقَّكم)).

وأخرج البخاري (7142) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمِل عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زَبِيبة)).

وأخرج البخاري (7053) (7054) (7143)، ومسلم (1849)، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن كَرِه من أميره شيئًا، فليصبر؛ فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية)).

سابعًا: عدم الخروج عليه:
أخرج مسلم أيضًا برقم (1855) عن عوف بن مالك الأشجعي، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خيار أئمتكم الذين تحبُّونهم ويحبُّونكم، ويصلُّون عليكم وتصلُّون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تُبغِضونهم ويُبغِضونكم، وتَلعنونهم ويَلعنونكم))، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: ((لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئًا تَكرَهونه فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدًا من طاعة)).

وجاء في الحديث الصحيح - الذي رواه البخاري ومسلم - أن عبادة بن الصامت قال: ((بايعنا - أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان)).

وأخرج مسلم (1848)، وأحمد (7944) عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((مَن خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومَن قاتل تحت راية عَمِّيَّة يَغضَب لعَصَبة، أو يدعو إلى عَصَبة، أو ينصر عَصَبة فقُتِل؛ فقِتلةُ جاهلية، ومَن خرج على أمتي يضرب بَرَّها وفاجرها، ولا يتحاشَ من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهدَه؛ فليس مني ولست منه)).

وأخرج البخاري برقم (6874)، ومسلم برقم (98) أيضًا عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن حَمَل علينا السلاح فليس منا)).

والله من وراء القصد


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/44213/#ixzz3HRJh2YAM

Friday, October 24, 2014

شعائر ومشاعر


شعائر ومشاعر

"وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ".. إن المسلم بحج بيت الله الحرام وتعظيم شعائر الله، وعقد العزم على طاعة الله، واتباع سنة نبيه تقوم وتتحقق مصالح المسلم في الدنيا والآخرة، وفي الحج يغفر المولى سبحانه للحجيج، ومبالغة في إكرامهم يلقي في روعهم أنه قد غفر لهم، فيعودون مطمئنين، وقد أزيحت عنهم هموم كالجبال، حيث يلقي الله في روع عباده الذين يؤدون مناسك الحج أنه قد غفر لهم، لذلك يشعر الحاج الصادق بأنه عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
الصفا والمروة

الصفا والمروة اسم لجبلين صغيرين متقابلين، أما الصفا فرأس نهاية جبل أبي قبيس وأما المروة فرأس منتهى جبل قُعَيقِعَانَ، وسمي الصفا لأن حجارته من الصفا وهو الحجر الأملس الصلب، وسمي المروة مروة لأن حجارتها من المرو، وهي الحجارة البيضاء اللينة التي توري النار.
وذكر القرطبي في تفسيره أن أصل الصفا في اللغة الحجر الأملس وهو جبل بمكة معروف، وكذلك المروة جبل أيضاً.. وذكر الصفا لأن آدم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقف عليه فسمي به، ووقفت حواء على المروة فسميت باسم المرأة فأنثت لذلك.
ولا شك أن للصفا والمروة أهمية عظيمة في نفوس العرب ومكانة كبيرة في تاريخ المسلمين، بل وفي تاريخ البشرية كلها، فهما من الآثار العظيمة والمشاعر المقدسة، والذكريات التاريخية التي خلدها الإسلام في كتابه العزيز، وفرض على المسلمين السعي بينهما والوقوف عليهما تخليدا لذكرى وقوف آدم وحواء عليهما، كما جاء في بعض الأخبار، وشكراً لنعمة الله تعالى على هاجر وابنها إسماعيل عليهما السلام وعلى البشرية من بعدهما، عندما نبع ماء زمزم لهاجر بعد سعيها سبع مرات بين الصفا والمروة.
جبل عرفة

جبل عرفة هو جبل يقع على بعد 20 كيلو متراً شرقي مكة، تقام عنده أهم مناسك الحج، والتي تسمى بوقفة عرفة وذلك في يوم التاسع من شهر ذي الحجة، حيث تعد الوقفة بعرفة أهم مناسك الحج كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحج عرفة"، وقد قيل إن جبل عرفة سمي بذلك لأن الناس يتعارفون فيه أو لأن جبريل طاف بسيدنا إبراهيم عليه السلام وكان يريه المشاهد فيقول له:"أَعَرَفْتَ؟ أَعَرَفْتَ؟"، فيرد الخليل إبراهيم: "عَرَفْتُ، عَرَفْتُ"، أو لأن سيدنا آدم وسيدتنا حواء "عندما هبطا من الجنة" التقوا فعرفها وعرفته في هذا المكان.
وكلمة عرفة تعني المشعر الأقصى من مشاعر الحج، وهو الوحيد الذي يقع خارج حدود الحرم، كما أنه يعتبر المشعر الذي يقف عليه الحجيج بعد صلاة الظهر من يوم التاسع من ذي الحجة، وهي سهل منبسط محاط بسلسلة من الجبال على شكل قوس كبير، ويطلق على جبل عرفة أسماء أخرى منها القرين، جبل الرحمة، النابت، جبل الآل.
مِنى

المبيت بمشعر مِنى هو أحد واجبات الحج، والمقصود هو المبيت بها ليلتي الحادي عشر والثاني عشر من ذي‏الحجّة بما يُسمّى مبيتاً، كأن ‏تبيت هناك من أوّل الليل إلى ‏منتصفه، أو من منتصفه حتى طلوع الشمس، وذلك تسليماً لأوامر اللَّه تعالى وتقرّباً إليه.
والواجب على الحاجّ مكثه في منى خلال تلك الفترة من دون‏ فرق بين أن يكون راقداً أم ساهراً، كما يجب على الحاجّ فدية شاة عن كلّ ليلة ترك فيها المبيت بمنى‏عمداً.
ويستحب البقاء في أيام التشريق بمنى كما يستحبّ التكبير بالمأثور: "اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَللَّهِ‏ِ الْحَمْدُ، اللَّهُ أَكْبَرُعَلى‏ مَا هَدَانَا، اللَّهُ أَكْبَرُ عَلى‏ مَا رَزَقَنَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَالْحَمْدُ للَّهِ‏ِعَلى‏ مَا أَبْلَانَا"، وهذا شعار أهل منى يردّدونه عقيب الصلوات وفي أي محلّ ‏وزمان شاؤُوا.
المزدلفة 

وادي المزدلفة سمي بذلك لأن الناس يأتون إليه في زلف، أي: ساعات من الليل، ويقال له: جمع لاجتماع الناس به، والمزدلفة من الحرم، والمشعر الحرام جبل بالمزدلفة، وسمِّي بذلك لأن العرب في الجاهلية كانت تُشعِرُ عنده هداياها، والإشعار هو الضرب بشيء حاد في سنام الجمل حتى يسيل الدم، والمبيت بالمزدلفة يكون ليلة النحر بعد الإفاضة والنزول من عرفات.
وقد عُرف أن المزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر.
الهَـدْي

الهَـدْي هو كل نعم يهديه الحاج للحرم قربانا لله تعالى وفداء عن النفس وهو من بهيمة الانعام التي ذكرها الله تعالى في سورة الانعام على سبيل الامتنان على بني الانسان حيث قال سبحانه وتعالى «ومن الأنعام حمولة وفرشاً كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين».
والهَـدْي واجب على كل حاج متيسر له سواء كان متمتعا أو مقرنا لقوله تعالى "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهَـدْي"، وإن لم يجد الهدي أو ثمنه فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة اذا رجع هذا ان لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وإلا فلا هدي عليه لقوله تعالى "ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام".
أنواع الهدي هي الإبل أو البقر أو الغنم (المعز والضأن) لقوله تعالى "ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام".. وذبح الهدي يكون في منى ويجوز في مكة وبقية الحرم إذا كان في حدود وقت الذبح وهو يوم العيد بعد الصلاة وثلاثة أيام بعده، لأن يوم العيد يوم النحر حيث روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (كل أيام التشريق ذبح) أي وقت للذبح.
الطواف

الطواف يعني الطواف سبعة أشواط حول الكعبة المشرفة.. ومن حكمة الطواف بالبيت أنه إقامة لذكر الله تعالى وهذه الحكمة قد نصت عليها السنة المطهرة "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله".
من حكمة الطواف أنه طاعة وقربة لله، وهو الركن الأعظم الذي لا يسقط بحال ومن عجز عنه طِيْفَ فيه محمولاً، "ثم لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ"، كما أن في الطواف حوله تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي طاف حوله، وبيت الله والطواف حوله هو أعظم مكان للتضرع والدعاء، ففيه يلتجئ الطائف إلى حمى الله تعالى ويقرع باب إحسانه يلتمس العفو عن السيئات ويسأله الفوز بالجنات فهو مكان تسكب فيه العبارت وتقال فيه العثرات وتتنزل فيه الرحمة على العباد من الرب الكريم.
الحجر الأسود

يعد الحجر الأسود أشرف حجر على وجه الأرض، وهو أشرف أجزاء البيت الحرام.. قال صلى الله عليه وسلم "إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله تعالى نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب".
مقام إبراهيم

مقام إبراهيم هو الحجر الذي قام عليه نبي الله إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين ارتفع بناؤه للبيت، وشق عليه تناول الحجارة، فكان يقوم عليه ويبني، وإسماعيل عليه السلام يناوله الحجارة.
كما قام عليه أيضاً "خليل الرحمن" للنداء والأذان بالحج في الناس.
وفي هذا الحجر المكرم أثر قدمي إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، حيث جعل الله تعالى تحت قدميه من ذلك الحجر في رطوبة الطين حتى غاصت فيه قدماه ليكون ذلك آية بينة ظاهرة.
والمقام هو الحجر الذي يعرفه الناس إلى اليوم عند الكعبة المشرفة الذي يصلون خلفه ركعتي الطواف "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى".
حِجْر إسماعيل

يسمي حِجْر إسماعيل أيضًا بالحطيم, هو بناء مستدير على شكل نصف دائرة، أحد طرفيه محاذٍ للركن الشمالي، والآخر محاذٍ للركن الغربي، ويقع شمال الكعبة الشريفة، ويبلغ ارتفاعه عن الأرض 1.30 متر.
اعتبر "الحِجْر" منزلًا لإسماعيل وأمه عليهما السلام, وقد ذكرت بعض الأخبار أن إسماعيل وأمه مدفونان في هذا المكان لهذا سمى بحجر إسماعيل.
ويعد حِجْر إسماعيل في الأساس جزء من الكعبة المشرفة, فحين أعادت قريش بناء الكعبة بما لديها من أموال قصر بهم الحال إلى ما هي الكعبة اليوم وأحاطوا باقي المنطقة بجدار مقوس ليطوف المعتمرون من حوله.
وقيل سمي بهذا الاسم؛ لأن إسماعيل عليه السلام قد اتخذ إلى جوار الكعبة حجرًا، وهو عريش من أراك، وهي الشجرة التي يتخذ منها السواك، وقيل سُمِّي بذلك؛ لأن قريشًا في بنائها تركت من أساس إبراهيم -عليه السلام-، وحجرت على الموضع ليعلم أنه من الكعبة.
بئر زمزم

يُعَدُّ بئر زمزم أحد المشاعر المقدسة داخل المسجد الحرام، وهي أشهر بئر على وجه الأرض لمكانتها الروحية المتميزة وارتباطها في وجدان المسلمين عامة، والمؤدين لشعائر الحج والعمرة خاصة.
بئر زمزم هي تلك البئر المباركة التي فجرها جبريل عليه السلام بعقبه لإسماعيل وأمه عليهما السلام، حيث تركهما خليل الله إبراهيم عليه السلام في ذلك الوادي القفر الذي لا زرع فيه ولا ماء، وذلك حين نفد ما معهما من زاد وماء، وجهدت السيدة هاجر وأتعبها البحث ساعية بين الصفا والمروة ناظرة في الأفق البعيد علها تجد مغيثًا يغيثها، فلما آيست من الخلق أغاثها الله عز وجل بفضله ورحمته.
ولبئر زمزم من الفضل ما لا يعد ولا يحصى، فهو سيد المياه وأشرفها، وأجلها قدرًا، وأحبها إلى النفوس، وأغلاها ثمنًا، وأنفسها عند الناس.. ماء زمزم لما شُرب له"، و"خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام الطعم، وشفاء السقم"،
سميت بئر زمزم بهذا الاسم لكثرة مائها، وقيل: لاجتماعها؛ لأنه لما فاض منها الماء على وجه الأرض قالت هاجر للماء: زم زم، أي: اجتمع يا مبارك، فاجتمع فسميت زمزم، وقيل: لأن هاجر زمت بالتراب لئلا يأخذ الماء يمينا وشمالا، فقد ضمت هاجر ماءها حين انفجرت وخرج منها الماء وساح يمينا وشمالا فمنع بجمع التراب حوله.
رمي الجمرات

رمي الجمرات اقتداء بنبي الله الخليل ابراهيم عليه السلام، لما رواه أحمد وابن خزيمة والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء جبريل عليه السلام إلى إبراهيم عليه السلام ليريه المناسك، قال: ثم أتى به منى فعرض له الشيطان عند الجمرة الأولى، فقال له جبريل عليه السلام خذ سبع حصيات فارمه وكبر مع كل حصاة، ففعل ذلك فساخ الشيطان ـ أي دخل الأرض ـ ثم عرض له عند الجمرة الثانية وجمرة العقبة، فأمره بمثل ذلك ففعل فساخ الشيطان".
وبذلك يتبين أن سبب الرمي هو رمي إبراهيم عليه السلام للشيطان الرجيم في هذه المواضع، ثم بقي الرمي منسكاً يتعبد به بعده عليه الصلاة والسلام، وقد شرعه لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله وهو كالسعي.

المواقيت

من حكمة الله تعالى أنه جعل للحج مواقيت، مواقيت مكانية ومواقيت زمانية، فالمواقيت الزمانية أجملها الله بقوله: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ" أي: زمن الحج إنما يكون في أشهر معلومات، معلومات للأمة، أعلمهم بها النبي صلى الله عليه وسلم وعلم بها الناس أيضا قبل الإسلام مما ورثوه؛ فلذلك لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره.
وفي ما يتعلق بمواقيت الحج المكانية فقد بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر بأن لأهل كل جهة ميقات، فمن جاء من نجد وجهة المشرق جعل ميقاتهم قرن المنازل الذي يعرف الآن بالسيل الكبير، ومن جاء من جهة المدينة وجهة الشمال فميقاته من ذي الحليفة، ومن جاء من مصر والشام والمغرب فميقاتهم من الجحفة ومن جاء من جهة الجنوب من اليمن والتهم وتلك الأماكن فميقاتهم من يلملم.
وقد جعل الله تعالى هذه المواقيت محيطة بالحرم من جهاته الأربع، وإن كان هناك جهات لا تمر بالميقات فإنهم يحاذون أقرب ميقات إليهم ويحرمون منه، فأهل العراق لهم ميقاتًا اسمه ذات عرق ويعرف الآن بالضريبة، وأهل خراسان وأهل الهند والسند وأهل البلاد الشرقية يحرمون من قرن المنازل.
فهذه المواقيت محيطة بجهات الحرم "الأربع" فمن مر معها وهو قاصد مكة لأجل حج أو عمرة فعليه أن يحرم، ولا يتجاوز الميقات إلا بعدما يحرم، ومن كان من دونها فإنه يحرم من بيته إذا كان منزله أقرب منها.
الأشواط السبعة

حكمة هذه العدد أنه لما كان للوترية أثر عظيم في التذكير بالوتر الصمد الواحد الأحد، وكان للسبعة منها مدخل عظيم في الشرع، الذي جعل تكبير صلاة العيد وترًا، وجعل سبعًا في الأولى لذلك، وتذكيرًا بأعمال الحج السبعة من الطواف، والسعي، والجمار تشريفًا إليها، وتذكيرًا بخالق هذا الوجود بالتفكر في أفعاله المعروفة من خلق السماوات السبع والأرضين السبع وما فيها من الأيام السبع.
التحلل من الإحرام

المقصود بالتحلل هنا الخروج من الإحرام وحل ما كان محظورًا عليه وهو محرم.. وهو قسمان: تحلل أصغر، وتحلل أكبر، ويكون التحلل برمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق أو التقصير.. ويحل بهذا التحلل لبس الثياب وكل شيء ما عدا النساء بالإجماع، والطيب عند البعض، والصيد عند المالكية.
           
الحلق والتقصير

الحلق أو التقصير من واجبات الحج والعمرة، "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ"
وشرع الله عز وجل الحلق أو التقصير بعد اكتمال أعمال العمرة؛ ليتحلل به المحرم من إحرامه، ويحل له ما كان محظوراً عليه من قبل إحرامه.
كما شرعه الله بعد غالب أعمال الحج؛ ليتحلل به المحرم من إحرامه بالحج، وإنما عجل به قبل الانتهاء من أعمال الحج خشية الوقوع في محظورات الإحرام إذا طال به أمد المنع، وفيه إشعار بتسليم الرقاب لرب العباد بعد حلاوة الطاعة.
 
يوم التروية

يوم التروية، هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وهو اليوم الذي يذهب فيه الحجاج إلى منى للمبيت بها، وسمي بذلك لأنهم كانوا يتروون من الماء فيه يعدونه ليوم عرفة، وقيل: سمي بذلك لأن إبراهيم عليه السلام رأى تلك الليلة في المنام ذبح ابنه فأصبح يروي في نفسه أهو حلم؟ أم من الله؟ فسمي يوم التروية.

http://www.alwafd.org/%D8%AF%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%AF%D9%8A%D9%86/739548-%D8%B4%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%88%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1

العلم من المهد إلى اللحد


والتعلم أو طلب العلم في الإسلام لا يقف عند حد معين، ولا عند سن معينة، وقد اشتهر عند المسلمين هذه الحكمة: "اطلب العلم من المهد إلى اللحد"، حتى ظنها الناس حديثا نبويا، وما هي بحديث، ولكنها من مأثور التراث الإسلامي.
وكم رأينا من علماء السلف من يطلب العلم، وهو على فراش الموت، فيسأل بعض أصحابه أو أبنائه أن يقرؤوا عليه تفسير بعض الآيات القرآنية أو بعض الأحاديث النبوية، أو بعض المسائل الفقهية، أو نحو ذلك، حتى يأتيه الموت وهو يطلب العلم.
وكم رأينا من الشيوخ الكبار في السن، والكبار في العلم، من يطلب العلم، لا يستحي من شيخوخته ولا يستحي من مكانته، ولا يجد في ذلك غضاضة ولا حرجا، ليحقق الحديث الشريف: "منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا".
وقد حكى لنا الحافظ ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم" صورا ووقائع شتى.
ولهذا كان أئمة الإسلام إذا قيل لأحدهم: إلى متى تطلب العلم؟ فيقول: إلى الممات.
قال نعيم بن حماد: سمعت عبدالله بن المبارك رضي الله عنه يقول ـ وقد عابه قوم في كثرة طلبه للحديث ـ فقالوا له: إلى متى تسمع؟ قال: إلى الممات.
وقال الحسين بن منصور الجصاص: قلت لأحمد بن حنبل رضي الله عنه: إلى متى يكتب الرجل الحديث؟ قال: إلى الموت.
وقال عبدالله بن محمد البغوي: سمعت أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول: إنما أطلب العلم إلى أن أدخل القبر.
وقال محمد بن إسماعيل الصائغ: كنت أصوغ مع أبي ببغداد، فمر بنا أحمد بن حنبل، وهو يعدو، ونعلاه في يديه، فأخذ أبي بمجامع ثوبه، فقال: يا أبا عبدالله، ألا تستحي؟ إلى متى تعدو مع هؤلاء؟! قال: إلى الموت.
وقال عبدالله بن بشر الطالقاني: أرجو أن يأتيني أمري، والمحبرة بين يدي، ولم يفارقني العلم والمحبرة!
وقال حميد بن محمد بن يزيد البصري: جاء ابن بسطام الحافظ يسألني عن الحديث فقلت له: ما أشد حرصك على الحديث! فقال: أو ما أحب أن أكون في قطار آل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
وقيل لبعض العلماء: متى يحسن بالمرء أن يتعلم؟ قال: ما حسنت به الحياة!
وسئل الحسن عن الرجل له ثمانون سنة: أيحسن أن يطلب العلم؟ قال: إن كان يحسن به أن يعيش.

فضل العلم على العبادة


ومن فضائل العلم ما ثبت في الأحاديث: أنه أفضل من العبادة، وأن العالم مقدم على العابد .
ففي حديث أبي الدرداء المشهور: "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب".
وكذلك جاء في حديث معاذ بن جبل.
وفي حديث أبي أمامة: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم".
وفي حديث حذيفة وسعد: "فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع".
وذلك لأن العلم يسبق العمل، ويدل عليه، ويرشد إليه، فهو دليل له من ناحية، وشرط لقبوله من ناحية أخرى، فلا عمل بلا علم، وقد يوجد علم بلا عمل، والمعنى: أنه كلما وجد العمل لزم وجود العلم، بخلاف عكسه، ولهذا قيل: العلم بدون عمل جنون، والعمل بدون علم لا يكون.
ومن ناحية أخرى فضل العلم على العبادة، لأن نفع العلم متعد، ونفع العبادة قاصر، فالعبادة إنما تنفع صاحبها، والعلم ينفع الكافة.
ثم إن نفع العبادة ـ غالبا ـ ينتهي بالفراغ منها، ولكن نفع العلم يبقى إلى ما شاء الله، ولهذا عد في الأمور الباقية للإنسان بعد موته، فإذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من أشياء معروفة منها: علم ينتفع به من بعده.
وعلى قدر المنتفعين بعلمه يكون أجره، فكلما اهتدى به مهتد إلى طريق الخير، واسترشد به مسترشد في معرفة الحلال من الحرام، والهدى من الضلال، كان له أجره، كما جاء في الحديث: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله".
ولأن العلم إما فرض عين، وإما فرض كفاية، وكلاهما أفضل من الاشتغال بالنوافل.
ولأن العلم من صفات الله تعالى، والعمل من صفات المخلوقين، فهو هنا يتخلق بخلق من أخلاق الله تعالى، إن صح التعبير، أو يتصف بصفة من صفاته، واسم من أسمائه الحسنى.
ولأن العلم هو الذي يكشف الغوامض من المسائل، ويفصل في دقائق الأمور، كما رأينا في حديث الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل رجلا عابدا هو أعبد أهل الأرض في زمنه: هل له من توبة؟ فقال له: لا توبة لك، فقتله، وأكمل به المائة، ثم سأل رجلا عالما، هو أعلم أهل الأرض في زمنه: هل له من توبة؟ فقال له: نعم، وأمره أن ينتقل من القرية الظالمة الفاسدة إلى قرية أخرى صالحة.
ولأن العلم هو الذي يبين الحق من الباطل في الاعتقادات، والصواب من الخطأ في المقولات، والمسنون من المبتدع في العبادات، والحلال من الحرام في التصرفات، والصحيح من الفاسد في المعاملات، والفضيلة من الرذيلة في السلوكيات، والمقبول من المردود في المعايير، والراجح من المرجوح في الأقوال والأعمال.
وبدون العلم يمكن أن يعتقد المرء الباطل وهو يحسبه حقا، ويرتكب البدعة وهو يظنها سنة، ويتورط في الحرام وهو يتوهمه حلالا، ويسقط في حمأة الرذيلة وهو يتصورها فضيلة، ولهذا كان من الأدعية المأثورة: "اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه". حتى لا يكون المرء ممن (زين له سوء عمله فرآه حسنا).
وقد حذرت الأحاديث الصحاح من فئة من الناس "يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم، وقراءته إلى قراءتهم"، ولكنهم "يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، ومعنى قوله: "لا يجاوز حناجرهم": أن القرآن لا تفقهه عقولهم وقلوبهم، لأنه مجرد ألفاظ وأصوات تخرج من حناجرهم، فآفتهم ليست في ضمائرهم ونياتهم، بل في عقولهم وأفهامهم! ولهذا وصفوا بأنهم: "يدعون أهل الأوثان، ويقتلون أهل الإسلام"! وهؤلاء هم الخوارج الذين حاربهم علي بن أبي طالب والصحابة معه. ولهذا جاء في حديث معاذ المشهور في فضل العلم: أنه إمام والعمل تابعه.
وذكر الإمام البخاري في كتاب "العلم" من صحيحه: أن العلم يسبق العمل، واستدل لذلك بالقرآن والحديث.
وقال الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز: من عمل على غير علم، كان ما يفسد أكثر مما يصلح!
ومن المعروف: أن كثيرا من الأئمة صرحوا بأن أفضل الأعمال بعد الفرائض طلب العلم.
فقال الشافعي: ليس شيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، وهذا الذي ذكر أصحابه عنه أنه مذهبه.
وكذلك قال سفيان الثوري، حكاه الحنفية عن أبي حنيفة.
وأما الإمام أحمد، فحكي عنه ثلاث روايات، إحداهن: أنه العلم. فإنه قيل له: أي شيء أحب إليك: أجلس بالليل أنسخ أو أصلي تطوعا؟ قال: نسخك تعلم به أمور دينك، فهو أحب إلي.. وذكر الخلال عنه في كتاب "العلم" نصوصا كثيرة في تفضيل العلم، ومن كلامه فيه: الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب.
والرواية الثانية: أن أفضل الأعمال بعد الفرائض صلاة التطوع، واحتج لهذه الرواية بقوله صلى الله عليه وسلم: "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة"، وبقوله في حديث أبي ذر وقد سأله عن الصلاة، فقال: "خير موضوع"، وبأنه أوصى من سأله مرافقته في الجنة بكثرة السجود وهو الصلاة، وكذلك قوله في الحديث الآخر: "عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة"، وبالأحاديث الدالة على تفضيل الصلاة.
والرواية الثالثة: أنه الجهاد، فإنه قال: "لا أعدل بالجهاد شيئا، ومن ذا يطيقه؟" ولا ريب أن أكثر الأحاديث في الصلاة والجهاد.
وأما مالك.. فقال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: إن أقواما ابتغوا العبادة، وأضاعوا العلم، فخرجوا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأسيافهم، ولو ابتغوا العلم لحجزهم عن ذلك.
قال مالك: وكتب أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب: أنه قرأ القرآن عندنا عدد كذا وكذا، فكتب إليه عمر: أن أفرض لهم من بيت المال.
فلما كان في العام الثاني كتب إليه: أنه قد قرأ القرآن عندنا عدد كثير ـ لأكثر من ذلك ـ فكتب إليه عمر: أن امحهم من الديوان، فإني أخاف من أن يسرع الناس في القرآن أن يتفقهوا في الدين، فيتأولوه على غير تأويله!
وقال ابن وهب: كنت بين يدي مالك بن أنس، فوضعت ألواحي، وقمت إلى الصلاة (يعني النافلة كما يدل السياق) فقال: ما الذي قمت إليه بأفضل من الذي تركته.
قال شيخنا: وهذه الأمور الثلاثة التي فضل كل واحد من الأئمة على بعضها، وهي: الصلاة، والعلم، والجهاد، هي التي قال فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا ثلاث في الدنيا لما أحببت البقاء فيها: لولا أن أحمل أو أجهز جيشا في سبيل الله، ولولا مكابدة هذا الليل، ولولا مجالسة أقوام ينتقمون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب التمر، لما أحببت البقاء.
فالأول: الجهاد. والثاني: قيام الليل، والثالث: مذاكرة العلم. فاجتمعت في الصحابة بكمالها، وتفرقت فيمن بعدهم.
وقد حكى ابن القيم ما ذكره أبو نعيم وغيره عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فضل العلم خير من نفل العمل، وخير دينكم الورع". وقد روى هذا مرفوعا من حديث عائشة رضي الله عنها. وفي رفعه نظر.
قال: "وهذا الكلام هو فصل الخطاب في هذه المسألة، فإنه إذا كان كل من العلم والعمل فرضا فلابد منهما كالصوم والصلاة، فإذا كانا فضلين ـ وهما النفلان المتطوع بهما ـ ففضل العلم ونفله خير من فضل العبادة ونفلها، لأن العلم يعم نفعه صاحبه والناس معه، والعبادة يختص نفعها بصاحبها، ولأن العلم تبقى فائدته وعلمه بعد موته، والعبادة تنقطع عنه".
ومن وجوه فضل العلم على العبادة التي ذكرها العلامة ابن القيم في "المفتاح": أنه يدل صاحبه على العمل الأفضل عند الله، وإن كان أقل من غيره مشقة، فصاحب العلم أقل تعبا ومعاناة، وهو أكثر مثوبة وأجرا! قال: واعتبر هذا بالشاهد، فإن الصناع والأجراء يعانون الأعمال الشاقة بأنفسهم، والأستاذ المعلم يجلس يأمرهم وينهاهم، ويريهم كيفية العمل، ويأخذ أضعاف ما يأخذونه.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى حيث قال: "أفضل الأعمال إيمان بالله، ثم الجهاد"، فالجهاد بذل النفس، وغاية المشقة، والإيمان علم القلب وعمله وتصديقه، وهو أفضل الأعمال، مع أن مشقة الجهاد فوق مشقته بأضعاف مضاعفة، وهذا لأن العلم يعرف مقادير الأعمال ومراتبها، وفاضلها من مفضولها، وراجحها من مرجوحها، فصاحبه لا يختار لنفسه إلا أفضل الأعمال. والعامل بلا علم يظن أن الفضيلة في كثرة المشقة، فهو يتحمل المشاق وإن كان ما يعانيه مفضولا، ورب عمل فاضل، والمفضول أكثر مشقة منه.
واعتبر هذا بحال الصديق (أبي بكر رضي الله عنه) فإنه أفضل الأمة، ومعلوم أن فيهم من هو أكثر عملا وحجا وصوما وصلاة وقراءة منه، قال أبو بكر بن عياش: ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه! وهذا موضوع المثل المشهور:
من لي بمثل سيرك المدلل؟ تمشي رويدا وتجي في الأول!

العلم يهدي إلى الإيمان


فالعلم والإيمان في الإسلام يسيران جنبا إلى جنب، ولذا جمع القرآن بينهما في قوله تعالى: (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث)، ومثل ذلك قوله: (يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات).
بل يرتب القرآن الإيمان على العلم، فالمرء يعلم فيؤمن، ومقتضاه أنه لا إيمان قبل العلم. يقول تعالى: (وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم، وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم).
وهكذا عطف القرآن هذه الثلاثة "العلم.. الإيمان.. الإخبات" بالفاء، التي تفيد الترتيب والتعقيب كما يقول علماء العربية، فإذا كان الإخبات ثمرة الإيمان، فإن الإيمان ثمرة العلم.
وفي هذا يقول القرآن أيضا: (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد).
وينوه القرآن بالذين "أوتوا العلم" بأنهم هم الذين يعرفون قيمة القرآن ويؤمنون به، ويتأثرون بما فيه: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا، ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا مفعولا، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا).
ويقول عن القرآن أيضا: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)

فضل العلم والعلماء


والقرآن الكريم أعظم كتاب أشاد بالعلم وأهله، ورفع قدر "أولى العلم" و"العالمين"، ونوه بمكانة "الذين أوتوا العلم"، كما بين أنه أنزل كتابه وفصل آياته (لقوم يعلمون)، كما بث آياته في الآفاق وفي الأنفس لهؤلاء الذين يعلمون.
يقول تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط)، فانظر كيف بدأ الله تعالى بنفسه، وثنى بملائكته، وثلث بأولى العلم، واستشهد بهم على أعظم قضايا الوجود، وهي قضية الوحدانية.
وقال تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، وهو استفهام إنكاري معناه نفي التسوية بين أهل العلم وأهل الجهل، كما في قوله تعالى: (وما يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، وما يستوي الأحياء ولا الأموات).
فالجهل بمثابة العمى، والعلم بمثابة البصر، والجهل كالظلمة، والعلم كالنور، والجهل حرارة قاتلة، والعلم ظل ظليل، والجهل موت، والعلم حياة، ولا يمكن أن يستوي الضدان في هذا كله.
وقال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، أي لا يخشى الله إلا العلماء الذين يعرفون مقامه، ويقدرونه حق قدره، والعلم الحقيقي هو الذي يورث الخشية.
وقد جاءت هذه الآية ـ أو هذا الجزء من الآية ـ بعد أن ذكر الله سبحانه بعض آياته في خلقه: في السماء والماء والنبات والجبال، ومن الناس والدواب والأنعام، مما يوحي بأن العلماء المذكورين هم علماء الطبيعة والكون والأرض والنبات والإنسان والحيوان. اقرأ قوله تعالى: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء).
وقال تعالى: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين).
والأوفق بـ "العالمين" هنا: أنهم العلماء بالظواهر الكونية في الفلك وفي الأرض، والعلماء باختلاف الألسنة والألوان،أي علماء الكون، وعلماء الإنسان.
وقال تعالى: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر، قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون). فالأقرب أن القوم الذين يعلمون هنا: هم علماء الفلك والطبيعة الجوية، فهم أقدر الناس على معرفة أسرار الله تعالى واكتشاف سننه في جعل النجوم للاهتداء.
ومن هنا نرى أن العلم الذي أشاد به القرآن ليس مقصورا على علم الدين وحده، وإن كان علم الدين له الصدارة والأولوية، لأنه العلم الذي يتعلق بالمقاصد والغايات، وعلوم الدنيا تتعلق بالوسائل والآلات، ولكنها مهمة أيضا لنماء الحياة وبقائها كما يريد الله تعالى.
وقال تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس، وما يعقلها إلا العالمون).

التوازن بين فقه الأحكام وفقه السلوك


الحق أن فقه الأحكام الفرعية العملية المتعلقة بظاهر الحياة الدنيا ومعايش الناس، قد شغل من حياتنا وفكرنا وجهدنا حيزا كبيرا، خواصنا وعوامنا.
ولهذا الفقه أنشئت المجامع المحلية والعالمية، وعقدت الندوات والمؤتمرات المتخصصة، وأنشئت الكليات والأقسام، وألفت الكتب ما بين مبسوط ووسيط ووجيز.
هذا بالنسبة للخواص، وبالنسبة للعوام، قد شغلوا أنفسهم وشغلهم علماؤهم بالجزئيات والتفصيلات، بل التعقيدات، حتى غدا باب الطهارة يدرس للجمهور خلال شهر رمضان كله، ثم لا ينتهون منه.
هذا.. وقد كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم من باديته، فلا يمكث إلا يوما أو أياما، ثم يعود إلى قومه، وقد فقه دينه، بالرؤية والمشاهدة: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
ليس معنى هذا أن نهمل فقه الأحكام الظاهرة، بل هو مطلوب وواجب، ولكن التوازن مطلوب وواجب أيضا: التوازن بين الظاهر والباطن، أو بين أعمال الجوارح وأعمال القلوب.
لقد جعل الإمام الغزالي "الفقه" القائم على مراعاة الظاهر وحده، من "علوم الدنيا" لا من علوم الآخرة! حتى إنه عاب على أهل الفقه في زمنه تركهم بعض فروض الكفاية المهمة للأمة، وأكبوا على الفقه لما وراءه من مناصب القضاء والإفتاء وغيرها، على حين لا يوجد طبيب في البلدة إلا من أهل الذمة!
لذا كان لابد أن نعيد لـ "فقه القلوب" مكانه ومكانته، ونعطيه حقه من الاهتمام العلمي والعملي، وأن نوجه عناية الخاصة والعامة إلى "فقه السلوك"، سلوك طريق الله، وطريق الآخرة، فلا نجاة إلا به، ولا صلاح بغيره، بل لا حياة بدونه، ولا وصول إلى الله بسواه.
إنها التجارة الرابحة التي غفل عنها أكثر الخلق: التعامل فيها مع رب العالمين، ورأس المال لها هو العمر، والبضاعة هي الطاعة، والربح هو المغفرة والجنة في الآخرة، والحياة الطيبة في الدنيا: " إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ "(فاطر:29-30).
" مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"(النحل:97).
فمن ضيع هذه التجارة، فقد ضيع نفسه، وخسر كل رأس ماله، وفاته خير الآخرة والأولى.
وليس له منها نصيب ولا سهم     على نفسه فليبك من ضاع عمره!
وصدق الله إذا يقول: " قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ"(الزمر:15).
وخسارة رأس المال هنا لا عوض لها، إذ لا عمر بعد العمر، ولا تأخير إذا جاء الأجل: " وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (المنافقون:11).
أسأله تعالى أن يجعل هذه الدراسات قبسا من العلم النافع، وعونا على العمل الصالح، ونورا يضئ الطريق، ويجعلها لي لونا من المجاهدة فيه، ولا يحرمني من الهداية التي وعدها بقوله: " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت:69).
"اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عمل لا يرفع، ومن دعوة لا يستجاب لها".
اللهم اجعلنا من عبادك الذين يتعلمون فيعلمون، ويعلمون فيعملون، ويعملون فيخلصون، ويخلصون فيثبتون، ويثبتون فيقبلون.
" رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ، رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ"(آل عمران:8-9).
ـــــــــ
- من كتاب "الحياة الربانية والعلم" للعلامة القرضاوي.