Pages

About Me

My photo
nasr city, cairo, Egypt
Aku hamba MU. Anak hamba Mu. Ubun2 ku di tangan-Mu.Telah berlaku hukuman Mu pada ku. Adil keputusan Mu pada ku. al-imam al-qurtubi menulis tafsirnya kerana kata beliau; " كتبت تذكرتا لنفسي" aku menulis sebagai peringatan untuk ku.

Saturday, October 18, 2014

على صعيد عرفات

الدكتور علي بن عمر بادحدح
بعد أيام، وفي أجواء إيمانية عظيمة، يجتمع الحجاج على صعيد عرفات، وما أدراك ما عرفات!
على صعيد عرفات يجتمع الحجيج متجردين من دنياهم، متوحدين في شعارهم، متوحدين في مقاصدهم وطلبهم.
في مشهد عرفات تهفو القلوب إلى خالقها وبارئها، وترتفع الأكف إلى معطيها والمنعم عليها، ويتجرد المسلمون من كل حول وطول إلى حول الله وقوته، ويرى المسلمون حقيقة ضعفهم وفقرهم فيلجئون إلى قوة الله، ويلتمسون عطاءه من غناه.
على صعيد عرفات يعرف المسلمون أنهم ضعفاء لا حول لهم ولا طول إلا أن يمدوا أيديهم ويصلوا حبالهم برب الأرباب وملك الملوك سبحانه وتعالى.
على صعيد عرفات يتجرد المسلمون من الدنيا ويتعلقون بالآخرة، ويعرفون حقيقة الدنيا، ويستشعرون المشهد العظيم والحشر العظيم والهول العظيم يوم القيامة: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6]، إنه يومٌ من أيام الله العظيمة، إنه مشهد من المشاهد التي تحيي القلوب الميتة، وتوقظ العقول الغافلة، وتحيي الأنفس التي كثر عليها الران، فانشغلت بالدنيا، وضُربت عليها الغفلة.
المسلمون على صعيد عرفات
نداءٌ واحد، هو نداء الإيمان الذي لا يختلف، وإن تعددت الألسنة، وتباينت اللغات.
غاية واحدة، تصطف لها هذه الجموع في هذا اليوم المشهود.
مكان واحد يضم هذا الشتات من آفاق الدنيا.
على صعيد عرفات؛ حيث ترفع الدعوات، وتسكب العبرات، حيث تلغى الطبقات، وتزول العصبيات والنعرات.
هو مشهد التوبة والاستغفار والإنابة إلى الله رب العالمين.
إنه وقفة في المشاعر المقدسة وبين يدي الله -جل وعلا- وهو الذي يباهي بأهل الموقف الذين جاءوا من كل فج عميق، تركوا من وارئهم الأهل والأولاد، وأنفقوا في طريقهم الأموال، وبذلوا الجهد، منطلقين بقلوبهم قبل أجسادهم، يلهجون بخواطرهم قبل ألسنتهم، وعاشوا يبغون هذه اللحظة وينتظرون تلك الوقفة بين يدي الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا* وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 17- 18]، التوبة التوبة يا عباد الله، {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، عرفات باب عظيم من أبواب التوبة، فالله سبحانه ينادي عباده: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
هذا نداء الله عز وجل، وهذه أبوابه مفتوحة، ورحمته واسعة، فأين المقبلون؟ وأين التائبون؟ وأين المستغفرون؟ وأين النادمون؟ وأين المتضرعون؟ وأين الباكون؟
تجدهم بعد أيام على صعيد عرفات يبكون ويستغفرون، يلبون ويدعون الله، حيث بلغهم عن عظمة هذا اليوم وعن سعة التوبة والمغفرة الإلهية قول حبيبهم صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة, وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟) [رواه مسلم]، وذلك أنهم ما جاءوا ولا أنفقوا ولا بذلوا ولا تعبوا إلا ابتغاء غاية واحدة، مغفرة الله عز وجل، ورضوان المولى سبحانه وتعالى.
اعلم أخي المسلم أن يوم عرفات هو يوم التعرض لنفحات الله، وموسم التوبة والإنابة والأوبة لله عز وجل، تذكر يا عبد الله كم أسرفت على نفسك في المعاصي؟ وكم قصرت في حق الله -عز وجل- من الواجبات؟ وكم تركت من المندوبات والمستحبات؟ وكم غرقت في الشهوات؟ تذكر؛ فإن هذا الموقف موقف تذكّرٍ واتعاظٍ واعتبار وتوبة واستغفار، تذكر عبد الله وارجع إلى الله قبل أن يبلغ الأمر مداه، وقبل أن لا ينفع الندم.
عرفات موقف الدعاء والتضرع
هذا اليوم الأغر هو يوم الدعاء، فالله سبحانه رحمة منه بعباده ؛ طلب منهم الدعاء {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. وهذا هو طريق إجابة الدعاء {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}، أي لأمر الله -عز وجل- مسارعة إلى الواجبات، ومسابقة إلى الخيرات، واجتنابا للمعاصي، وبُعدا عن السيئات.
{وَلْيُؤْمِنُوا بِي} إيمانا خالصا لا شك فيه ولا شبهة ولا رياء، فمن تحقق فيه ذلك أجاب الله دعاءه، وأعطاه من فضله، فالله سبحانه يحب سؤال السائلين، وتضرع المتضرعين، كما صح في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع عبده كفيه إليه أن يردهما صفرا)، فالدعاء –بإذن الله- مجابٌ إما في العاجلة وإما في الآجلة، وإما أن يرد به من القضاء والبلاء ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
ولما للدعاء من فضل في يوم عرفة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
عرفات يوم عتق العباد من النار
وفي الحديث عن جابر رضي الله عنه -عند ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحين، جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة) إنه يوم العباد ليغتنموا من فضل الكريم سبحانه وتعالى.
يوم الصَّغَار للشيطان
يوم عرفة يوم إعلان الطاعة والولاء لله، وهو في ذات الوقت إعلان للحرب على المعصية والعداء للشيطان، فما إن ينصرف العبد من عرفة حتى يرمي الجمار؛ ليؤكد أنه لا سبيل للشيطان عليه بإذن الله، وأنه قد أعلن التوبة لله، وبدأ صفحةً جديدةً مع الله، فكلما عرضت له شهوة آثمة، وكلما عرضت له شبهة مشككة استعاذ بالله -عز وجل- من الشيطان الرجيم الذليل كما في الحديث المرسل: (ما رؤي الشيطان أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا مما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله من الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر رأى جبريل يزع الملائكة).
يوم وحدة الأمة الإسلامية
إنه يوم إعلان وحدة الأمة الإسلامية، وبيان لوحدة مقاصدها وغاياتها، وهذه كلها معانٍ عظيمة ينبغي أن تتذكرها الأمة لا سيما الأوبة والإنابة لله عز وجل والإعلان الصادق بالارتباط بالله، والسعي نحو رضاه، وأن الآخرة هي المبتغى والمقصد.
فالمسلمون في ذلك الصعيد وهم من أصقاع مختلفة ومن أعراق متباينة ينطقون بلهجاتٍ ولغاتٍ مختلفة. لهم شعار واحد، وفي مكانٍ واحدٍ، وعلى صعيدٍ واحدٍ، وبأعمالٍ واحدةٍ، ليس لهم إلا غاية واحدة تنطق بها جميع الألسنة، وتهفو إليها جميع القلوب.. إنها رضوان الله -عز وجل- وتحقيق الهدف الأسمى من وجود هذا الإنسان في هذه الحياة الدنيا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، إنها العبودية لله، إنه الاستسلام لأمر الله، إنه الاستمساك بمنهج الله، إنه الرضا بقضاء الله، وأن يكون العبد مع الله عز وجل في كل حال، مشدود القلب بالله، مرتبطا بأحكام الله عز وجل.
إن الاجتماع في هذا الصعيد عظيم، ودلالاته عديدة، إنه أمر تحتاج الأمة أن تتنبه إليه، وقد كثرت بينها الشقاقات، وتعاظمت الخلافات، وكثرت النِّزاعات، ذلك أن القلوب لم تكن مخلصة لله -عز وجل- وأن الغايات لم ترتبط برضوان الله عز وجل، وهنا يكثر البلاء ويعظم العناء، ولا حل ولا نجاة إلا بالعودة إلى الله عز وجل.
عرفات تتجلى فيه حقيقة الدنيا
وفي صعيد عرفات تتجلى الدنيا بقيمتها الحقيقية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها بقوله: (لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء)، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر).
وفي الحج وفي مقام عرفة وغيره من المشاعر يشعر المسلم بقيمة هذه الدنيا، فلا تراه يبني في تلك المواقع دورا، ولا يشيّد قصورا؛ لأنه يعلم أنها أيام قلائل ثم يأتي الرحيل، وحينئذ يستعد لما بعد ذلك اليوم وإلى أوبته إلى دياره الأولى، وإلى معاقله الأصيلة، واعلم يا عبد الله أنك في هذه الدنيا مرتحل كأنك غريب أو عابر سبيل، فما بالك بها منشغلا وكأنك عنها غير مرتحل! انتبه وتأمل؛ فإن الله -عز وجل- قد جعل لنا في هذه المواقف عظاتٍ وعبرا كثيرة، فينبغي لنا أن نتأملها، وأن نحيا معها.
نسأل الله -عز وجل- أن لا يحرمنا الأجر والثواب، وأن لا يحرمنا من فيض عطائه لأهل الموقف الذين يجتمعون بقلوب خاشعة، وأعين دامعة، وأنفس ضارعة لله سبحانه وتعالى.
مددت يدي نحوك يا إلهيوإني في حماك لمستجيرُ
غني أنت عن مثلي وإنيإلى رحماك يا ربي فقيرُ
إلهي ما أقول إذا دعانيلحين حسابي اليوم العسيرُ
فهل أوتى كتابي في يمينيأو العقبى عذاب مستطيرُ
فحاسبني بجودك لا بفعليفأنت بما أتى مثلي بصيرُ

أستاذ مشارك بجامعة الملك عبد العزيز- السعودية.

No comments:

Post a Comment